17 July 2015 Istanbul, Turkey
فرخ البط (ليس بالضبط) عوّام: 15 عاما رهيبا تحت حكم بشار الأسد
هناك مثل عربي رائع يقول “فرخ البط عوّام”. وفي حالة الرئيس السوري بشار الأسد، فإن سيادته لا يعوم بمثل ما يغرق كالصخر.
في مثل هذا اليوم منذ 15 عاما “ورث” بشار الحكم في سورية عن أبيه الذي، لأكون واضحا، لم يكن نفسه عوّاما. والآن، بعد مرور 15 عاما، دمّر بشار البلاد فعليا.
في 17 يوليو (تموز) 2000 ألقى بشار أول خطاب له أمام شعبه بعد توليه الرئاسة. وفي خطابه ذاك بث الأمل في نفوس الكثير من السوريين. فلربما قد يتحررون الآن من دكتاتورية حافظ الخانقة.
ببساطة، اعتلاء بشار لسدة السلطة لم يكن تماما ضمن حدود القانون. فقد تم تعديل الدستور السوري بما يخدم المصلحة لتمكين بشار البالغ من العمر آنذاك 34 عاما من أن يصبح رئيسا للدولة.
إلا أن خطاب بشار أوحى بأوقات أفضل مستقبلا. وبالتالي أذن بفترة قصيرة من الوعود بإصلاحات سياسية واقتصادية وقانونية.
لكن بعد مرور سنة واحدة فقط، تخطى هذا الربيع الدمشقي الهش الصيف مباشرة إلى برد الخريف: حيث اعتقل أنصار الإصلاح من أعضاء مجلس الشعب وغيرهم من النشطاء، وبالتالي تحطمت الآمال في طي صفحة ماضي الاستبداد تحت حافظ الأسد.
2001-2011: العقد الضائع
وجد بشار أسلوبه المفضل، منقولا مباشرة عن دليل تكتيكات أبيه. وقد اتسمت أول عشر سنوات من حكمه بالقمع الشديد وانتهاكات حقوق الإنسان والرقابة الصارمة. حتى أن منظمة هيومان رايتس ووتش انتقدت بشدة هذه السنوات العشر بوصفها “العقد الضائع“. حيث تعرض النشطاء للاعتقال القسري والتعذيب والاختفاء القسري. واعتقِل محامو حقوق الإنسان (في 2007 حُكم على المحامي أنور البني بالسجن خمس سنوات بجريمة زعمه أن رجلا قد توفي في معتقل سوري بسبب الظروف اللا إنسانية فيه). ومُنع نشطاء سياسيون وحقوقيون من السفر لأنهم أرادوا السفر لتسليط الضوء على أسوأ الانتهاكات.
2011-2015: باتت الأوضاع أسوأ كثيرا
قصة وصول الربيع العربي إلى سورية باتت الآن مألوفة، ويعاد ذكرها دوريا. فقد زعم بشار بأنه نفذ ما يكفي من الإصلاحات بحيث أن الربيع العربي لن يُكدِّر باب سورية. إلا أن العقد الضائع حكى قصة مختلفة تماما. قمع وفساد مستمرين من النظام، إلى جانب جفاف شديد من 2006 إلى 2009، ما كفل أن سورية ليست مستثناة من مطالبات شعبية بالإصلاح عمّت أنحاء المنطقة.
بدأت الاحتجاجات بطيئة. ويوم 6 مارس (آذار) كان بداية تسارع حاد بالاحتجاجات. فقد اعتقل النظام مجموعة من المراهقين في درعا ويقال بأنه أخضعهم للتعذيب: جريمتهم هي كتابة عبارات جدارية تقول “الشعب يريد أسقاط النظام”. عندئذ كان أهالي درعا قد ضاقوا ذرعا، وسرعان ما انتشرت الاحتجاجات في المدينة وتبعتها احتجاجات على المستوى الوطني.
وكان رد نظام بشار بالطريقة الوحيدة التي يعرفها: بالقمع العنيف. حيث أن بشار ورجاله ليس لديهم ملكة الحكم بحكمة ورأفة. وبالتالي فقدوا كل مصداقيتهم في عقول الكثيرين جدا من السوريين والمجتمع الدولي.
إن جرائم النظام أكثر من أن أتمكن من تعدادها هنا. وشملت مراحل فاصلة دموية بالطبع: مذبحة الحولة في 2012؛ وفي 2013 حين كان النظام– ومازال – متهما باستخدام أسلحة كيميائية في ضواحي دمشق، ما أدى لمقتل مئات المدنيين من بينهم الكثير من الأطفال أثناء نومهم؛ وفي 2014 كُشف النقاب عن دليل إدانة حين سرّب قيصر، المنشق عن الجيش السوري، 55,000 صورة رقمية لنحو 11,000 من الضحايا تظهر آثار تعذيب ترقى لأن تكون جرائم حرب.
اليوم: بشار فاشل، بل وأسوأ من ذلك
اليوم بشار ونظامه مذنبون بالفشل التام، بل والأسوأ من ذلك أنهم مذنبين بارتكاب سلسلة من جرائم الحرب المروعة. مثال على ذلك، يُمطر النظام السوريين المدنيين يوميا بوابل من البراميل المتفجرة التي يسقطها على رؤوسهم بشكل عشوائي، منتهكا بشكل فاضح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2139. ولكونه ما يقال عنه رئيسا، بات طوطميا للصراع السوري. وتشبثه بالسلطة بهذه الوحشية يجعله عامل تجنيد في صفوف داعش وغيره من المتطرفين العنيفين.
لكن مع ذلك يحاول تحوير حقيقة المتطرفين المتواجدين على الأراضي السورية إلى كذبة يفبركها بشأن كيفية وقوفه مدافعا عن العلمانية وبأنه أفضل من يحمي الأقليات. إنه لا يفعل أيا من ذلك، بل إنه فتح صفحة أخرى من دليل تكتيكات حافظ، مستغلا للأقليات داخل سورية ومتحكما بهم ليكونوا معتمدين في بقائهم عليه وعلى حكمه، واستخدامهم كسبيل لإطالة أمد سلطته وحرمانهم من كرامة تأكيد هويتهم ومصيرهم بأنفسهم.
والنتيجة حالة من الفوضى. حيث أن سورية الآن بحالة رهيبة. حيث فقد ما يربو على 200,000 شخص أرواحهم. وهناك أكثر من 12 مليون سوري – أي نحو نصف تعداد سكان ما قبل الحرب – بحاجة لمساعدات إنسانية. وبات هناك ما يفوق الأربعة ملايين لاجئ. هذا إلى جانب أن ثلاثة ملايين طفل سوري لم يعودوا يذهبون للمدرسة. وقد دُمِّرت أكثر من نصف المستشفيات الحكومية في سورية، والكثير منها استهدفها النظام.
إذا ماذا الآن؟
هناك سبيل واحد فقط لإنهاء هذا الصراع، وذلك من خلال تسوية بالتفاوض تفضي إلى عملية انتقال سياسية. ونظرا لكافة الأسباب المبينة أعلاه، لا يمكن أن يكون الأسد جزءا من مستقبل سورية.
وفي حال اتفاق مجلس الأمن الدولي على ما يتعين عمله، فقد يكون باستطاعة المجتمع الدولي ممارسة مزيد من الضغوط لإنهاء حالة البؤس في سورية. ولأسباب معلومة تماما، ذلك الاتفاق ليس بالمستقبل المنظور.
وبالتالي سوف تبذل المملكة المتحدة كل ما بوسعها. فقد أعلنا مؤخرا عن تقديم دفعة جديدة من المساعدات تبلغ 100 مليون جنيه استرليني. وفي المناطق التي انتزعت من تحت سيطرة النظام، نعمل لدعم الاعتدال والحكم المحلي، وتوفير العدالة وأمن المجتمع، ومساعدة فرق الإنقاذ الذين لديهم الاستعداد والرغبة للتنقيب عن الضحايا بين الأنقاض التي تسببت بها البراميل المتفجرة التي يلقيها الأسد. وفي الأردن تشمل مساعداتنا تدريب الشرطة في مخيم الزعتري، حيث يوفرون الأمان للاجئين في المخيم. كما أننا ندعم المعارضة السياسية. ونعمل على فرض العقوبات الدولية على النظام. وقد أتلفنا نحو 200 طن من أسلحة الأسد الكيميائية.
كما قلت، نبذل كل ما في وسعنا. ونحاول مساعدة المواطنين السوريين العاديين على العيش. وهذا على النقيض تماما مما يفعله بشار، الذي هو أشبه بابن بندقية وليس فرخ بط.