مقال كتبه وزير الخارجية، جيمس كليفرلي، حول الأحداث في إيران، ونشرته صحيفة تلغراف، هذا نصه:
في 21 سبتمبر/أيلول، أرسلت شابة إيرانية إلى صديقاتها رسالة زاخرةً بروح من التفاؤل الذي لا يُقهَر. قالت في رسالتها: “آمل في غضون بضع سنين، عندما أنظر إلى الماضي، أن أشعر بالسعادة لأن كل شيء سيكون قد تغيَّر إلى الأفضل”.
بعد ساعة واحدة، توفّيت حديث نجفي عن عمر يناهز 22 ربيعاً. لا يمكننا التأكد من ظروف وفاتها، لكن توجد أدلّة فوتوغرافية على إصابتها بطلقات نارية، وهو ما دفع عائلتها للاعتقاد أنها قُتلت على يد قوات الأمن الإيرانية.
وقبل ذلك بثمانية أيام، اتصلت فتاة أخرى، اسمها مهسا أميني، وهي أيضاً في الثانية والعشرين من العمر، بوالديها وهي في حالةٍ من الذّعر والارتباك، بينما كانت هي وشقيقها يركضان هرباً من شرطة الآداب. بعد ساعات من اتصالها نُقلت إلى المستشفى. وبعد ثلاثة أيام توفيت.
هنا أيضاً لا نعرف الأسباب المحددة التي أدّت إلى وفاتها، لكن التاريخ يعلمنا أنه في أيِّ مكان يتعرّض الناس فيه إلى الاضطهاد، فإن أي إجراءٍ ضد فرد واحد يمكن أن يجرّ وراءه موجة لا تنتهي من الشعور بالمرارة والإحباط.
إن قلبي لينفطر حزناً على العائلات التي فقدت بناتها أو أخواتها أو أمهاتها خلال الاحتجاجات. ولكنني أشعر أيضاً بالإعجاب بالشجاعة التي أبدتها النساء والفتيات الإيرانيات في الدفاع عن حريتهن، وفي تحدّيهنّ لنظامٍ يحاول مراقبة أفكارهن وكلماتهن وأفعالهن. وإنني أرى شجاعة من يقفون معهنّ، كتفاً إلى كتف، في مواجهة النظام. وهم جميعاً يذكّروننا بأن الروح البشرية لا تُقهر.
المأساة هنا تتمثّل في أن قادة إيران يحاولون بكل الطرق إلقاء اللوم على كلّ ما هبّ ودب إلا الاعتراف بالغضب الحقيقي المتأجج في صدور أبناء شعبهم.
إن ما يشهدونه ليس نوعاً من المؤامرة. بل على العكس من ذلك، فما يشهدونه هو أن الشعب الإيراني نفسه يقول بأن الكيل قد طَفَح. إن الضغط من أجل التغيير لا يتراكم بتوجيه أو تأثير من الغرب: إنه يتولّد من الداخل.
وبينما نحن في المملكة المتحدة لا رغبة لنا في تحديد من يجب أن يحكم إيران، فإننا سنظل ندافع عن قيم عالمية معينة. فنحن نعتقد أن حرية التعبير عن الرأي هي حق أساسي من حقوق الإنسان. وإننا نعلم أن الأمن يولد من رحم الحرية – والدول التي تتحلّى بالشجاعة في خدمة المواطنين الأحرار تُحرز قدراً من النجاح أكبر وأطول أمداً من تلك التي تصرّ على أن تكون بمثابة السيّد المُطاع.
ومع ذلك، ترد من إيران أنباء عن استخدام قوات الأمن ذخيرة حية ضد المتظاهرين، ودفن جثث دون علم العائلات الثكلى.
من خلال الحكم بالقمع والاضطهاد، يجد النظام الإيراني نفسه في عُزلةً. والدولة التي تحكم عن طريق إخافة مواطنيها سينتهي بها الأمر حتماً بخوفها على مستقبلها. وبفعل الضغوط التي ترزح تحتها، تتخذ قرارات غير سليمة، وتقمع شعبها، وتنشر الهلع والمعلومات المضلّلة، وتلقي باللائمة في إخفاقاتها على جهات خارجية، مُفتقرةً بذلك إلى شجاعة النظر في دواخلها.
قيادة النظام في إيران لها أن تختار، حالها كحال قيادة أي بلد آخر.
فنحن نعيش في زمن تغيرات جيوسياسية هائلة، ولا بدّ لنا والحالة هذه أن نتوقف عن الحكم على الدول من خلال أقوالها، بل من خلال ما تفعله حقاً.
وعليه، وجّهنا نحن في المملكة المتحدة رسالة واضحة إلى النظام الإيراني مفادها أن يثير إعجابنا حقاً شجاعة وكبرياء الشعب الإيراني في نضاله من أجل حقوق أساسية. ونحن نُقدّر الروابط العديدة بين شعبَيّ بلدينا. ونرى بأنه يجب ألّا يتعرض أحد للعنف بسبب ما يرتديه أو بسبب طريقة تعبيره عن معتقداته.
ومن هنا كان استدعائي لممثل إيران في المملكة المتحدة إلى وزارة الخارجية الأسبوع الماضي، حيث قيل له إنه بدلاً من إلقاء اللوم فيما يتعلق بالاضطرابات على جهات خارجية، فإنه ينبغي للنظام الإيراني تحمل المسؤولية عن أفعاله والاستماع إلى هواجس شعبه.
وقد فرضت المملكة المتحدة يوم الاثنين الماضي عقوبات على ما يسمى شرطة الآداب الإيرانية وعلى خمسة مسؤولين بارزين متورطين في قمع النساء والمتظاهرين، بمن فيهم قائد البسيج في جهاز الحرس الثوري الإسلامي، وقائد وحدة القوات الخاصة في جهاز الشرطة (ناجا)، والقائد العام لجهاز الشرطة الإيرانية. كما انضممنا إلى شركائنا الدوليين في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف لإدانة قوات الأمن الإيرانية بسبب ما تقوم به من قمع وحشي.
في حال استمرارها في هذا النهج، سوف تصبح إيران أكثر فقراً وأشدّ عزلة وأقلّ أمناً. ومع ذلك، لا يزال هناك مكان في المجتمع الدولي لإيران تتحلى بالمسؤولية. ومن أجل سلام إيران وأمنها – ومكانتها المستقبلية في العالم – يتعين على قادتها اتخاذ الخطوة الصحيحة. وإني أتمنى صادقاً أن يفعلوا ذلك.
* الصورة من صحيفة تلغراف