بمناسبة زيارته إلى لبنان، كتب وزير شؤون الشرق الأوسط، جيمس كليفرلي، مقالا تحدث فيه عن ضرورة الإصلاح السياسي والاقتصادي في لبنان، وأزمة الأمن الغذائي، وحالة الفقر التي يعانيها اللاجئون السوريون وبعض اللبنانيين الذين لم يعد باستطاعتهم تحمل شظف العيش.
فيما يلي نص المقال:
في أواخر شهر يوليو، ذهبت إلى لبنان في زيارة افتراضية، وخرجت في نهايتها بانطباع مدهش حول الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها شعب لبنان، لكن صاحبه انطباع آخر حول ضخامة ما يحتاجه لبنان من إصلاحات جدية. وما هي إلاّ أيام حتى شاهدتُ بفزع الانفجار الهائل الذي هزّ مرفأ بيروت وأسفر عن مقتل وإصابة عدد كبير من الناس، ناهيك عن تدمير البنية التحتية الحيوية والمنازل. أما المرفأ المدمر فقد أصبح الآن بمثابة رمز قاتم يذكِّر بأهمية أخذ أيِّ تحذير على محمل الجدّ حال تلقينا له، ورمزٍ لعواقب سوء الإدارة والفساد.
ينبغي لنا، حيثما كان ذلك ممكنا، أن نحول دون وقوع الكوارث. بيْد أن ذلك في بعض الأحيان خارج استطاعتنا. فنحن لا يمكننا، على سبيل المثال، التحكم في أحوال الطقس ووقف إعصارٍ أو زلزالٍ أو تسونامي. ولكن يمكننا الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكِّر، ووضع خطط لكيفية حماية المواطنين والممتلكات والاستثمارات، وضمان وجود القدرات في المكان المناسب، والمبادرة لاتخاذ إجراءات حال تلقينا أي تحذيرات.
لكن لبنان يداهمه الآن خطر متنامي يهدد المواطنين. هذا الخطر يأتي كنتيجة مباشرة لنموذج اقتصادي فيه خلل. وكما كان الحال بالنسبة للانفجار في المرفأ، فهذه مشكلة من صنع البشر أيضاً وكان بالإمكان تفاديها. لقد كان هذا الخطر في العموم صامتاً، غير أنه الآن يتعاظم يوماً بعد يوم. وباتت حالات الطوارئ وشيكة في التعليم والرعاية الصحية وفي قطاع الكهرباء أيضاً. ولكن الخطر الأكثر إلحاحاً وقتامة هو ذاك المتعلق بالأمن الغذائي: أي بكل بساطة مجرّد القدرة على ضمان حصول جميع الناس على ما يكفيهم من الطعام المغذي والصالح للاستهلاك.
ففي لبنان حاليا الكثير من المؤشرات التي تبعث على القلق. فأزمة الأمن الغذائي لا تتكشّف بصورتها الكاملة في الغالب إلا بعد أن تصل إلى أسوء مراحلها ويقع ما لا تُحمد عقباه. ولهذا السبب، توصف هذه الأنماط من الأزمات بأنها تسونامي صامت. ومن الناحية الهيكلية، يعتبر لبنان بلدا معرضا لأزمة الأمن الغذائي لأنه يستورد كميات فائقة من المواد الغذائية، فهو يستورد نسبة 85% تقريباً من استهلاكه المحلي من القمح. وفوق هذا كله، هناك ارتفاع مستمر في أسعار السلع الأساسية، فقد بلغت نسبة ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية 141% في شهر تموز من هذه السنة مقارنةً بالفترة ذاتها من السنة الماضية، هذا إلى جانب خسارة عدد كبير جداً من الناس لوظائفهم وسبل معيشتهم.
وبالنسبة لمن يعيشون على هوامش المجتمع في لبنان، ومن بينهم، على سبيل المثال لا الحصر، اللاجئون السوريون، فقد واجهوا نكوصاً مفزعاً في قدرتهم على تحمّل شظف العيش. فمعظم اللاجئين السوريين يعيشون الآن في فقر مدقع ويعجزون عن شراء ما يحتاجونه من طعام مناسب. كذلك هي الحال في أوساط اللبنانيين، حيث أصبحنا نرى البعض يبيعون ممتلكاتهم لشراء الطعام لأطفالهم، كما نرى طوابير طويلة لشراء الخبز. ومن شأن رفع الدعم الحكومي أن يتسبّب في تفاقم الوضع. وكانت الأمم المتحدة قد توقعت في أواخر شهر آب أن أكثر من 50% من الشعب اللبناني قد لا يتمكن من الحصول على الأغذية الأساسية بحلول نهاية العام الحالي 2020.
إن الحلول الدائمة لمشكلات لبنان تتحقق عبر الإصلاحات الحقيقية والدعم التنموي، لكن كما يتضح من التجارب، الإصلاحات تستغرق بعض الوقت. وليس من السهل إحراز تقدّم، ولا سيما في ضوء التحديات العالمية الجسيمة التي جلبتها جائحة كوفيد-19. إن الوقت ليس في صالحنا. ولا مناص هنا من عملية إنسانية لتكون بمثابة الجسر لهذه الحلول لتخفيف المعاناة من جهة، وكسب الوقت ولجم أسوأ آثار هذه الأزمة هنا. ولسوف تستمر المملكة المتحدة في دعم أكثر الفئات حاجة للدعم. إلا أن هناك حاجة لاتخاذ إجراء عاجل من قبل الحكومة اللبنانية كجزء من استجابة ضرورية جداً.
وأكرّر هنا ندائي لقادة لبنان بالقيام بما له أكبر حاجة ملحّة وتحقيق الإصلاحات اللازمة، ووضع لبنان على درب يصل به إلى مستقبل أكثر استدامة وشفافية ومساءلة وشمولا يُطلق القدرات الكامنة لدى الجميع. إن التخطيط لخطر متوقع ليس مجرد ممارسة فنية، بل إنه في نهاية المطاف خيارٌ سياسي. وبالتالي ينبغي وضع ثقلكم الجماعي من وراء هذا الخيار من أجل مصلحة أكثر الناس حاجة للمساعدة. ولا بدّ لكم من وضع خطة عمل وأن تكونوا مستعدين لتنفيذها. وها هو المجتمع الدولي وشعبكم يراقبون.
إن من حق الناس في لبنان، بمن فيهم السوريون والفلسطينيون الذين وجدوا لهم ملجأً هنا، وكل الآخرين الذين يعتبرون لبنان وطناً لهم، أن يعيشوا حياةً أفضل. وعدم الجهوزية لها عواقب مروعة. وبالتالي على قادة لبنان أن يتحرّكوا الآن. وبوصف المملكة المتحدة قوةً من أجل الخير في العالم، فإنها ستواصل الوقوف كشريك ثابت لشعب لبنان.