تسعدني العودة إلى المنطقة العربية للعمل كمتحدثة باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ولا تأتي هذه السعادة من كوني سأعمل في منطقة دافئة وشمسها مشرقة إذا ما قورنت بطقس لندن القارس الآن، ولكن لأنها منطقة رائعة تعطيني الفرصة لتعلم ومعرفة المزيد عنها.
لم أكتشف متعة تعلم اللغات الأخرى إلا بعد الانتهاء من مرحلة التعليم الثانوي. وعندما أتحدث عن تعلمي للغة العربية أشعر بأنها فعلا رحلة طويلة من التعلم مستمرة حتى اليوم، فدائما – وكل يوم – هناك المزيد لتعلمه بإضافة مفردة جديدة، أو مصطلح، أو حتى مثل شعبي لم أسمع به من قبل.
وبالتأكيد يشكّل التواصل مع الناس في العالم العربي – بلغتهم الأم- أساسا متينا للحوار الذي أتطلع إليه معهم حول آمالهم، أحلامهم، ومستقبلهم، وشرح ما تقوم به الحكومة البريطانية للشراكة مع هذه المنطقة.
أريد أن أبدأ بإخباركم قليلاً كيف بدأت مغامراتي مع اللغة العربية، وبعض الناس الذين ساعدوني في هذه الطريق الطويلة.
بدأت علاقتي مع اللغة العربية عندما قضيت عطلة صيفية في مخيم البريج للاجئين الفلسطينيين في غزة وقمت آنذاك بتعليم اللغة الإنجليزية كعمل تطوعي. هناك تعرفت للمرة الأولى على بعض من الأكلات الأكثر شعبية في بلاد الشام ومنها “المحاشي” و “المقلوبة”. درّست صفا واحدا من الفتيات، اللواتي عبّرن بكل وضوح عن رغبتهم بإنجاب عدد محدود من ثلاثة أطفال بعد الزواج، وأما الأولاد الذين درّستهم فعبروا عن رغبتهم بأن يكون لديهم الكثير من الأطفال عندما يتزوجون. جلست معهم، استمعت إليهم، وعلّمتهم بعض الأناشيد والقصائد والألعاب فيما علّمتني فتاة فلسطينية الأحرف الأبجدية العربية، ويبدو أني كنت أعاني مع هذه الحروف في البداية!
الآن، وبعد مرور زمن طويل على تلك التجربة الجميلة، أفكر بهولاء الفتيات والأولاد وكيف أصبحوا الآن، وعدد الأطفال الذين قرروا في النهاية إنجابهم، وماذا حصل لأحلامهم وآمالهم مع تلاشي فرص السلام وتدهور الأوضاع.
شجّعتني تجربتي مع اللغة العربية في مخيم البريج على أن أتعلّمها بشكل جدّي، وكانت البداية الجديدة مع خطاط تونسي مولع باللغة والحروف، وكانت فعلا تجربة ملهمة ومع ذلك لم أكن قد تمكنت بعد من استيعاب اللغة.وتابعت مشواري التعليمي مع مهندس مصري أذكر جيدا كلماته حول “طبق الفول” المصري عندما كان يمزج في مفرداته ما بين الكلمات العربية والإنجليزية عندما كان يقول “الفول يجعلك Full ” أي يعطي الإحساس بالشبع.
وكان هناك أشخاص أخرون أيضا ساعدوني في تعلم اللغة، وأذكر أن أحدهم كان يتبّع نظاما غذائيا قاسيا من القهوة والسجائر والشعر، فيما ساعدتني أستاذة عراقية في فهم قواعد النحو والصرف. لذلك أنا ممتنة لكل من ساعدني بتعلم اللغة العربية الجميلة، وإتقان حرفي العين والقاف فهما من أصعب الحروف بالنسبة لأي متعلم أجنبي.
كما أنها المرة الأولى التي أعيش فيها في الخليج، ولذلك أتطلّع إلى معرفة المزيد كيف يتأقلم الناس فيه مع الحداثة مع الحفاظ على التقاليد الغنيّة من الضيافة والتسامح. وفي هذا السياق، يسعدني أن أكون في الكويت اليوم احتفالا بمرور 120 عاما على الصداقة البريطانية الكويتية.
لذا أنا هنا اليوم في العالم العربي على أمل أن أتمكّن من الإستماع إلى الناس ومخاوفهم، وشرح بعض الأمور التي تقوم بها حكومة المملكة المتحدة في هذه المنطقة، وخاصة لمساعدة الشباب على تحقيق ما يتطلّعون إليه. أتطلّع إلى الحوار معكم.
المقال نشر أولا في موقع العربية.نت