6 November 2018 الشرق الأوسط
المملكة المتحدة والخليج: بناء مستقبل أفضل
نعلم أن علينا ألا ننظر إلى الاستقرار على أنه أمرٌ مفروغ منه. فقد أظهر التمرين العسكري «السيف السريع 3» المشترك بين سلطنة عُمان والمملكة المتحدة – والذي يُختتم يوم السبت – أن المملكة المتحدة يمكنها أن تعمل، بل سوف تعمل، مع الحلفاء في المنطقة لأجل حماية استقرار الخليج.
وقبل سنتين تقريباً، أوضحت رئيسة الوزراء تيريزا ماي مدى أهمية الخليج بالنسبة لبريطانيا. وكان تمرين «السيف السريع 3» بمثابة تجسيد فعلي لكلمات رئيسة الوزراء بأن «أمن الخليج هو أمننا». فالمنطقة تمثّل سوقاً رئيسية، ومستثمراً كبيراً في المملكة المتحدة، وشريكاً أمنياً مهماً، إضافة إلى أن الخليج موطنٌ للكثير من مواطنينا. وإذا تزعزع الاستقرار في الخليج، نلمس آثار ذلك هنا في المملكة المتحدة.
إن حماية استقرار الخليج تعني تحسين قدرة المملكة المتحدة على الانتشار السريع والعمل مع حلفائنا للتصدي لأي تهديدات. وشهد تمرين «السيف السريع «3 مشاركة أكثر من 5 آلاف من أفراد القوات المسلحة البريطانية في هذا التمرين العسكري في عُمان؛ حيث أقاموا وعملوا وتدرّبوا كتفاً إلى كتف مع ما يزيد عن 70 ألفاً من نظرائهم العُمانيين. وكان هذا التمرين بمثابة اختبارٍ لقدرة قواتنا المسلحة على العمل بسلاسة وإحكام إلى جانب بعضنا البعض، ردا على تهديدات معقدة ومتزامنة من الجو والبر والبحر.
وكانت هذه أيضاً المرة الأولى التي يختبر فيها التمرين التعاون بين القدرات المدنية والعسكرية لضمان أكبر قدْرٍ ممكن من الكفاءة والفعالية في الرَّد. فلقد تطوّرت الأخطار التي نواجهها، وبات علينا التأكّد من أننا نرسل التشكيلة الصحيحة من الأدوات المتاحة ضمن الحكومات وفيما بينها حفاظا على سلامة شعوبنا. وهكذا شكّل تمرين «السيف السريع 3» فرصة لنتعلّم معاً تلك الدروس القيِّمة، ونعزّز قوة العلاقة التاريخية بين المملكة المتحدة وعُمان والخليج عموماً.
يأتي هذا التمرين في نطاق التزام دفاعي بريطاني متواصل وأوسع نطاقاً لحفظ ودعم البنية التحتية السياسية والمادية التي تفتح المجال أمام القيام بفعاليات أخرى. ولاحقاً لتمرين «السيف السريع 3»، سوف تجري المملكة المتحدة تمارين مشتركة مع كلٍّ من شركائها الآخرين في مجلس التعاون الخليجي. وليس مستغرباً أن ننوّه هنا بوجود 1.500 عسكري بريطاني متمركزين بصورة دائمة في أنحاء الخليج، وهو عدد يفوق ما يوجد من قوات بريطانية في أي منطقة أخرى من العالم!
إن قدرة المملكة المتحدة وجميع شركائنا في مجلس التعاون الخليجي على تضافر العتاد العسكري، والتعزيز المتبادل لمهاراتنا، والعمل جنباً إلى جنب، تشكل خط الدفاع الأول عندما يتعلق الأمر بالذّوْد عن مصالحنا المتبادلة.
وعلى الرغم من أهمية الناحية العسكرية، فإن علاقتنا غير محصورة بها. بل إن القدرات العسكرية والتعاون العسكري يتيحان التفاعل والتجارة والتبادل التعليمي بين الشعوب.
فالتجارة بين المملكة المتحدة والخليج يبلغ حجمها نحو 40 مليار جنيه إسترليني. وإذا نظرنا إلى دول الخليج ككتلة واحدة، فإنها تعادل سادس أكبر شريك لصادرات المملكة المتحدة في عام 2017. غير أن علاقاتنا تتجاوز مسألة المال والعقود التجارية. حيث تظل المملكة المتحدة من بين الوُجهات الرئيسية للطلاب القادمين من كل دولة من دول الخليج للدراسة في الخارج. ويصل إلى المملكة المتحدة سنويا 20 ألف طالب من دول الخليج. وهناك في الوقت ذاته نحو 175 ألف مواطن بريطاني يعيشون ويعملون في دول الخليج – والكثير منهم لهم تجارتهم ويملكون بيوتاً هناك. وقبل هذا وذاك من هذه البديهيات، فإن هناك الروابط العاطفية الإنسانية. وإننا نأمل في أن يظل الطلاب الذين يتخرّجون ويعودون إلى الخليج يعتبرون المملكة المتحدة موطنهم الثاني. وأما السياح البريطانيون إلى الخليج الذين يقدر عددهم بحوالي 1.7 مليون كل عام – فإنهم أيضاً يشعرون بالارتياح والألفة في الأماكن التي يقصدونها وكأنها وطن لهم، مع فارق أن هذا الوطن فيه عدد أكبر من الشواطئ المشمسة.
إن لمن الطبيعي تماماً أن نعمل معاً. فمواجهة هذه التحديات تتطلّب تعاوناً واسع النطاق. ومن حُسن الحظ أن أسلافنا كانوا قد أرسوا أساسات هذا التعاون، وهي أساسات متينة – وتنطوي على كل صفات الصداقات الطيبة – تتيح قول كل ما يجب أن يُقال في الوقت المناسب. ففيما يتعلق بمقتل الصحافي جمال خاشقجي، أبلغنا حكومة المملكة العربية السعودية بأن التقارير الواردة حول الظروف المحيطة بوفاته لا تتفق نهائياً مع قيمنا. ولسوف يتوقف ردّنا على مدى قدرة المملكة العربية السعودية على إقناعنا بأنها لا تزال ملتزمة بأهدافها المعلنة في مجال التقدم والتجديد.
وكما لا يخفى على أحد، فإن علاقتنا تشتمل على التجارة، ولكنها تتعدى مجرد العقود والمال. فالعلاقات بيننا لها جذورها في التاريخ، ولكنها ليست من مخلَّفات الماضي. ففي هذا العالم المتشابك المُعولم، نحن مرتبطون ببعضنا البعض أكثر من معظم الآخرين، ذلك لأننا في نهاية المطاف نثمِّن الأشياء ذاتها – نظاماً دولياً مستقراً مرتكزاً على القواعد والفرص التي يتيحها لأجيالنا القادمة. سوف نستمر في العمل معاً، ونحمي بعضنا البعض، ونبني الفرص معاً. فالازدهار يحتاج إلى أساسات، وقلما توجد أساسات قوية كأساسات العلاقات بيننا.
أليستر بيرت – وزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال افريقيا
المقال نشر أولا في صحيفة الشرق الأوسط