8 June 2015 Jerusalem, Israel
لنبحث عن الأمل حتى بعد 48 عام…
قبل ثماني وأربعون عاماً، وفي مثل هذا الوقت، غرق الشرق الأوسط بحرب مضنية. لتصبح لاحقاً هذا الحرب معروفة باسم حرب 1967 أو حرب الأيام الست ولتغير تقسيم وشكل المنطقة، وتغير حياة الكثيرين. خلال اقامتي هنا التقيت بفلسطينيين يعيشون في المدن، القرى، والمخيمات وسمعت قصصهم حول ما بات معروف اليوم بين الفلسطينيين بحرب “النكسة”، وعن الحياتهم التي اقتُلعت، والبيوت التي خُسرت.
لن أقوم بتحليل تداعيات وحيثيات هذه الحرب، سأترك هذا الأمر للمؤرخين. ولكن، من المؤكد أن هذه الحرب غيّرت الواقع الذي أتعامل معه اليوم كدبلوماسي يعمل في القدس. فاحتلال الضفة الغربية، وقطاع غزة والقدس الشرقية وموجة بناء المستوطنات التي بدأت عام 1967 وملايين الفلسطينيين اللاجئين هنا وفي المنطقة ككل، كلها أمور ترسم الواقع الحالي الذي أتعامل معه.
فعبر زياراتي الدورية لمناطق الضفة الغربية وقطاع غزة، والقدس الشرقية، أستطيع أن أجزم أن الحياة هنا ما زالت صعبة جداً حتى بعد ثماني وأربعون عاماً على هذه الحرب. فبحسب تقارير الأمم المتحدة، أعداد الفلسطينيين الذين قتلوا عام 2014 أكثر من أي عام آخر منذ 1967. وبحسب دراسات المجتمع المدني فإن عام 2014 شهد زيادة في البناء الاستطيتاني 40% بالمقارنة مع عام 2013. أما طموح وآمال الشباب في المخيمات الفلسطينية، فهو يكاد يكون معدوم والشعور العام بالأحباط سائد.
ولكن برغم كل ذلك، تعمل المملكة المتحدة بالشراكة والتعاون مع شركائها العالميين على تحفيز الأمل لتحقيق حل الدولتيين. فنحن نود فعلاً أن نرى دولة فلسطينية مستقلة تعيش جنباً لجنب مع إسرائيل مع إنهاء الاحتلال. كما ونؤمن أن هذا الدولة المستقبلية يجب أن تكون على حدود 1967 (الخط الأخضر) وبالاتفاق على أي حل يشمل تبادل للأراضي، والقدس عاصمة مشتركة، وبالطبع حل عادل ومنصف متفق علية لتسوية مشكلة اللاجئين. إن هذه الرؤية من شأنها أيضاً أن تجلب استقراراً غير مسبوق لمنطقة الشرق الأوسط ككل، حيث أن التداعيات السياسية هنا كلها مترابطة ومتداخلة.
ولكن هذا الكلمات وهذه الرؤية تأتي اليوم مقترنة بأفعال تقوم بها المملكة المتحدة على الأرض.
نعمل جاهدين للحفاظ على رؤية الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، حيث تدعم المملكة المتحدة مؤسسات فلسطينية تعترض على أوامر هدم البيوت وترحيل المجتمعات المهمشة، كعدد من التجمعات البدوية. كما وندعم أيضاً عدد من المؤسسات التي تُعنى بشؤون التخطيط الهيكلي للمناطق الفلسطينية في القدس الشرقية ومناطق “ج” من أجل تحفيز تطوير هذه المجتمعات.
أما بشأن التوسع الاستيطاني، فموقف المملكة المتحدة واضح كل الوضوح، ونؤكد مراراً وتكراراً أن المستوطنات غير قانونية بحسب القانون الدولي وتحد امكانية التوصل لحل الدولتيين بشكل جدي، وبالتالي ندعم دائماً حقوق الفلسطينيين تحت مظلة القانون الدولي.
كما ونعمل على الحفاظ على الهوية الفلسطينية في القدس الشرقية لحراسة مستقبل القدس كعاصمة مشتركة. حيث يأتي هذا عبر دعمنا لعدد من مؤسسات المجتمع المدني لمساعدة الفلسطينيين للحفاظ على إقاماتهم في القدس. كما وندعم أيضا عدد من المؤسسات الرائعة التي بدورها تعمل على توفير فرص لشباب وشابات القدس للعب كرة القدم في العيساوية والبلدة القديمة، ولتعلم الحرف التقليدية في سلون على سبيل المثال، ونطالب دائماً بإعادة فتح المؤسسات المقدسية لتمثل الفلسطينيين هناك.
وفي الحديث عن حرب 1967، لا يمكننا أن ننسى اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية والمنطقة. فقد قدمت المملكة المتحدة هذا العام حوالي 30 مليون جنية استرليني كدعم لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين. هذا وقمنا أيضا بتقديم 9 ملايين جنية أسترليني إضافية لوكالة الغوث بعد أحداث الصيف الماضي في قطاع غزة و8 مليون جنية استرليني لدعم اللاجئين الفلسطينيين الذين تأثروا بالأزمة السورية وذلك دعماً منا على الجهود الإنسانية المبذولة هناك. علماً أن هذا الدعم يأتي بهدف دعم العائلات اللاجئة وحماية حقهم إلى أن يتم الاتفاق على حل عادل ومنصف لقضيتهم.
وأخيراً، نعمل عن كثب مع الفلسطينيين لبناء أسس الدولة الفلسطينية وتحفيز النمو الاقتصادي. ولذلك نساهم بدفع رواتب موظفي قطاعي الصحة والتعليم، ونعمل بالتعاون مع الحكومة على تطوير الأنظمة المالية والإدارية المعمول بها. كما ونعمل أيضاً بالتعاون مع عدد من منظمات المجتمع الأهلي على تطوير أنظمة من شأنها خلق أنظمة مُساءلة واضحة تضمن حق المواطن. هذا ونقوم بتدريب قوى الأمن الفلسطينية لتمكينهم من توفير الأمن والأمان للمواطنيين. إضافة لكل هذا، نعمل وبشكل حثيث على دعم القطاع الخاص الفلسطيني بهدف توفير فرص عمل جديدة وللمساهمة بدعم المنشأت التجارية في قطاع غزة تحديداً للنهوض مجدداً بعد أحداث الصيف الماضي هناك.
والأهم من هذا كله، هو رغبتنا الحقيقية بعودة إدارة قطاع غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية بهدف خدمة وإدارة القطاع. يجب أن يكون القطاع وأهله في قلب الدولة الفلسطينية المستقبلية وبالتالي يجب أن تمثل السلطة الفلسطينية كل الفلسطينيين، وسنسعى جاهدين لتحقيق هذا الهدف.
وبناءً عليه كلنا أمل بأن يسهم عملنا هنا في الأراضي الفلسطينية ببلورة رؤية حل الدولتيين، وتحويل هذا الرؤية من نظرية إلى حقيقة واقعية للأجيال القادمة. وبرغم أني سمعت، بعدد من المناسبات، شكوك حول إمكانية تحقيق هذه الرؤية، وأعي تماماً التحديات القائمة بعد ثماني وأربعون عام من حرب 1967 ليبدو اليوم حل الدولتين حلم صعب المنال، وبرغم انه قد تم تفويت عدد من الفرص التفاوضية من قبل الطرفين في وقت سابق. ولكن رغم ذلك كله، فأنا لازلت على قناعة تامة أن حل الدولتين مهم جداً ويجب العمل لتحقيقة. فبالرجوع لتاريخ المنطقة، سنرى الكثير من الصراعات والحروب، ولكن اليوم يجب أن نتطلع للمستقبل ونأمل بحلول السلام الدائم والشامل. فالحل السلمي للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وتحقيق الدولة الفلسطينية المستقلة جنباً لجنب مع إسرائيل سيكون له تأثير كبير على المنطقة ككل وسيكون أساس لأي حلول سلمية واستقرارفي منطقة الشرق الأوسط كافه.