23 December 2014 Jerusalem, Israel
الزيتون، قوتهم وعَيشُهم
ليس من السهل تجاهل شجرة الزيتون في هذه البقعة من الأرض، حيث أنك ستجد الزيتون بأنواعه على كل مائدة، وزيت الزيتون على كل طبق، والشجرات تزين الجبال والتلال. وحتى زينة شجرة الميلاد التي استخدمتها مؤخراً كانت مصنوعه من خشب شجرة الزيتون. فشجرة الزيتون هنا هي عبارة عن عصب حياة، كنزٌ ثقافي، وأهم ما في ذلك فهي تجسيد لهوية وثقافة.
وبرغم إدراكِ لأهمية هذه الشجرة هنا، إلا انني شعرت بأهميتها أكثر في الأسابيع الماضية عندما توفي الوزير زياد أبو عين وهو يزرع هذه الشجرة في قرية ترمسعيا، قرب مدينة رام الله. وأيضاً أدركت أهميتها أكثر عندما قام الرئيس محمود عباس بزراعة شجرة زيتون في مقر الرئاسة تخليداً لذكرى الوزير الراحل.
ومن أجل أهمية هذه الشجرة المعنوية والمادية هنا، قمنا أنا وطاقم القنصلية البريطانية العامة في القدس في تشرين أول الماضي بمساعدة أهالي قرية سنجل، في رام الله، بقطف الزيتون. حيث أن أهالي هذه القرية يحصلون عادتاً على تصريح خاص للوصول لأراضيهم وعدد أيام محدد من أجل إنهاء مهمة قطف الزيتون، فأتيناهم بالمساعدة. أمضينا خمس ساعات من العمل الحثيث، قطفنا فيها الزيتون، جمعناه، ونظفناه لينطلق بعدها في رحلته للقرية وأهلها والمعصرة.
ومن خلال هذه التجربة أدركت عندها أهمية موسم قطف الزيتون في هذه المنطقة ولدى الفلسطينيين. الزيتون هو أحد أسس الاقتصاد الفلسطيني. فالاحصاءات تشير بأن نصف الأراضي الزراعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة مزروعة بالزيتون، أي ما يعادل أكثر من ثمان مليون شجرة زيتون. وتشير الاحصاءات أيضاً أن صناعة زيت الزيتون تشكل 25% من مدخول القطاع الزراعي وأن 100 ألف عائلة فلسطينية تعتمد على مدخول موسم الزيتون لتغطية تكاليف الحياة.
ولكن، تبقى طقوس وأهمية موسم الزيتون تحت التهديد. فالظروف السياسية تظلل على هذه القطاع في مناطق مختلفة، فالحال في قرية سنجل، والتي قمنا بزيارتها لمساعدة الأهالي مثل مناطق عدة في المنطقة. فجدار الفصل والمناطق الأمنية حول المستوطنات تحول دون وصول الأهالي لأراضيهم، 30% من أشجار الزيتون تقع خلف أسوار أمنية إسرائيلية، الأمرالذي يكبل الأهالي خسائر تتراوح ما بين 30-45 مليون دولار أمريكي حسب جودة الموسم.
أضافة لأن تصاريح الوصول للأراضي المحيطة بالمستوطنات ووجود جدار الفصل يؤثر بشكل كبير على الانتاجية، حيث أن حوالي 50% فقط من التصاريح المقدمة يتم الموافقة عليها، وهذا العام تحديداً كانت الضغوطات أكبر، فقد تم أعطاء الأهالي عدد أيام بأقل حوال 40% من الأيام التي كان مسموح بها الوصول للأراضي خلال 2013.
ولن ننسى طبعاً، أن التوسع الاسطيتاني له تأثير كبير على موسم الزيتون. فعلا سبيل المثال، قرية سنجل، تحيطها خمس مستوطنات غير شرعية، ويقوم المستوطنون بالتعدي على أهالي القرية بشكل دائم. وبالطبع فإن هذه الانتهاكات غير قانونية ويجب أن تتتوقف فوراً.
بالخلاصة، الاقتصاد الفلسطيني بحاجة لزراعة الزيتون المنتجة، والعائلات الفلسطينية بحاجة للاستمرار بممارسة طقوسهم القديمة المتجسدة في قطف الزيتون وعصرة. فشجرة الزيتون يجب أن تبقى رمزاً للسلام وليس للصراع. وبهذا تدعوا المملكة المتحدة بأن يكون للفلسطينيبن الحق بالوصول لأرضهم بأمان وحرية من أجل الحفاظ على هذا الكنز المادي والمعنوي والحفاظ على تقاليد قطف الزيتون للأجيال القادمة.