27 November 2014 Jerusalem, Israel
في القدس مستقبل للفلسطينيين
خلال الشهر الماضي، ذهبت في جولة مطولة بالبلدة القديمة بالقدس بصحبة ابني وأحد الأصدقاء، حيث أكلنا الكعك المقدسي الشهير، ومررنا عبر باب العمود وشممنا رائحة التوابل التي تملئ المكان. وخلال جولتنا رأينا المصلين المسلمين، المسيحين، واليهود متجهين لأماكن عبادتهم، ليزيد المشهد من قدسية المكان. فدون شك هذه المدينة لها سحرٌ خاص وطابع مختلف عن أي مكان آخر، وأنا شخصياً أعتبر نفسي محظوظ جداً بكوني هنا أعيش فيها.
ولكن وبالرغم من هذا السحر، فالقدس الشرقية بدأت تفقد هويتها الفلسطينية، هذه الهوية التي تجسد عبق المكان وروحه. وفعلاً بات الأمر يؤرقني ويؤرق من حولي. لقد راقبت التطورات الأخيرة في القدس الشرقية خلال العام الماضي عن كثب، ورأيت التوسع الاستيطاني الذي بات واضحاً من شباك منزلي في الشيخ جراح، وسمعت أصوات المواجهات في جبل الطور ووادي الجوز، وأحسست بالغاز المسيل للدموع يملئ الهواء، وللأسف أيضاً أضافة لكل هذا، أمر بمبنى بيت الشرق لأراه خاوياً دون روح، هذا الذي كان يوماً ما يجسد الهوية الفلسطينية في القدس الشرقية. إضافة للحواجز التي تحيط المدينة.
وبالتالي يجب السعي للحفاظ على هذه الهوية الفلسطينية في القدس الشرقية، وهذا فعلاً ما تسعى الحكومية البريطانية للمساهمة بتحقيقية. نحن ملتزمون بالمساهمه بتحقيق حل الدولتين والقدس عاصمة مشتركة ليعم السلام ولنبني مستقبل أكثر اشراقاً. وتأكيداً على ما قاله رؤساء وزراء الاتحاد الأوروبي: يجب أن نحافظ على مكانة القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينينة المستقبلية. ولكن السؤال كيف يمكننا ذلك؟
أولاً، بوجودنا هنا نحن نحافظ على هذه المكانة. أنا وثمان قناصل عامين آخرين لدينا دور خاص هنا في القدس. نحن نتفاعل بشكل دائم مع المجتمعات الفلسطينية هنا في المدينة المقدسة لنطلع على التطورات ونتواصل معهم من أجل فهم المعاناة التي يواجهون ونقل هذه الصورة لبلداننا والعمل على تحسين الواقع إضافة لحثهم على أخذ خطوات عملية من شأنها بناء مستقبل أفضل. وبالتالي نحن لا نقبل ضم القدس الشرقية لإسرائيل. وإلى أن يتوصل جميع الأطراف لحل نهائي ستبقى القدس مدينة بطابع سياسي خاص للجميع (corpus separatum).
ثانياً، نحن نعمل على دعم مؤسسات فلسطينية في القدس الشرقية تسعى لتعزيز دور الشباب القيادي والريادي في المدينة وخدمة افراد هذا المجتمع. وبناءً عليه فقد قمنا بدعم مركز مدى الابداعي في سلوان وساهمنا بترميم المبنى الخاص بالمركز والذي سيمكن مئات الشباب ونساء سلوان من ممارسة الرياضة والفنون. كما وعملنا على دعم مهرجان الدمى الخاص بالمسرح الوطني- الحكواتي والذي حضره حوالي 2000 طفل. إضافة لذلك قمنا بترميم مبنى مركز برج اللقلق في البلده القديمة بالقدس والذي يستخدمه اليوم حوالي500 شخص اسبوعياً.
ولكن رغم هذه الجهود السياسية والدعم الذي نقدم، لا زال هناك مؤسسات فلسطينية مغلقة، كانت في وقت سابق تلعب دور بغاية الأهمية للتواصل مع المجتمعات الفلسطينية وخدمتها، من ضمن هذه المؤسسات بيت الشرق والغرفة التجارية الفلسطينية. فهذه المؤسسات كانت تسعى للتغير الإيجابي.
فبالإضافة للحاجة الماسة لإعادة تشغيل هذه المؤسسات، هناك أيضاً ضرورة لخلق بيئة داعمة لقيادات فلسطينية معتدلة، وتمكين المسؤولين الفلسطينين من خدمة أهالي مدينة القدس. أهالي القدس الشرقية بحاجه حقيقية لتمثيل يعكس مشاكلهم وهموهم من أجل إيجاد الحلول اللازمة.
ثالثاً، نعلن بشكل دائم موقفنا أننا ضد التوسع الاستيطاني في القدس الشرقية، وبالتالي نعمل على دعم شبكة القدس للمناصرة المجتمعية JCAN والتي تعمل على تعزيز الدعم الخاص بالعائلات المقدسية المهددة بخسارة بطاقات هوياتها المقدسية. كما ونعمل أيضاً على دعم المركز السلام للتعاون الدولي IPCC للمساهمة ببلورة التخطيط الحضري للأحياء العربية في القدس الشرقية. وعبر هذه المشاريع تؤكد الحكومة البريطانية والمجتمع الدولي أن الاستيطان هو أمر غير قانوني بمنظور القانون الدولي وستستمر الحكومة البريطانية بشجب التوسع الاستيطاني والضغط على إسرائيل من أجل وقف هذه التوسعات.
وبرغم كل ذلك لايوجد أي مبرر لاستخدام العنف لتغير أو الحفاظ على الوضع القائم بالقدس. فالحكومة البريطانية تشجب العنف بكل أشكالة بغض النظر عن الجهه المسؤولة عنه. فالعنف سيؤثر سلباً على كافة الأفراد. وبالتالي نحيي الرئيس محمود عباس على التصريحاته الجريئة واستنكاره للهجوم القاتل على الكنيس اليهودي الأسبوع الماضي في القدس، وندعم هؤلاء الذين يسعون لحقن الدماء والترويج للهدوء والسلام.
الشهر الماضي كنت بزيارة لنادي الفتيات لكرة القدم في العيساوية واستمتعت بمباراه رائعة مع أصوات المشجعين والمشجعات حولي، ولكن للأسف بعد بضعة أسابيع أجلس في بيتي أسماع أصوات المواجهات واطلاق النار. فتيات العيساوية كأي شاب أو فتاة فلسطينية أو إسرائيلية من حقهم العيش في بيئة سلمية ومليئة بالأمل والحلم بمستقبل أفضل.
عندما زار رئيس الوزارء البريطاني المنطقة آذار الماضي طلب منا تخيل النتائج المتوقعه بعد التوصل لحل الدولتين: “فلسطين دون حواجز”، حيث يتمتع الجميع بحرية التنقل ويتمكن الجميع من زيارة الأهل والأصدقاء، لتصبح مكان يحفظ كرامة الفرد. واليوم انا أطلب منكم تخيل مستقبل مدينة القدس دون حواجز، كعاصمة مشتركة تضمن حرية التنقل للفلسطينيين والإسرائيليين دون خوف، لتكون مدينة عامرة بأهلها وضحكات أطفالها. لتكون مدينة تشمل مؤسسات فلسطينية فعالة بوجود بإدارة قيادات فلسطينية ملتزمة ومنتخبة تخدم الفلسطينيين.
ونعم هناك مستقبل للفلسطينين في القدس.