ذكرتني زيارتي الأولى لمدينة الخليل بطفولتي في مدينة جلاسكو الاسكتلندية. حيث يملأ الغسيل المعلق الأزقة الضيقة، ويلعب الأطفال كرة القدم في الشوارع، ويتناقل الجيران الأحاديث مابين جدران الحدائق. في هذه المدينة تعتبر العائلة كل شئ، أما الخصوصية فهي أمر نادر.
لكن التشبيهات تنتهي عندما تدخل منطقة (H1) التي استحقت لقبها كمدينة الأشباح. فعندما تعبر الحاجز من السوق المزدحم إلى شارع الشهداء، تشعر بأنك دخلتَ عالماً آخر. فسوق الفواكه الذي كان ينبض بالحياة بات ميتا، وأصبح اكثر من ١٨٠٠ محل تجاري مغلقا و ١٠٠٠ منزل مهجورا. لقد قسّمت الاغلاقات الإسرائيلية والمستوطنات الغير قانونية البلدة القديمة التي كانت يوما ما تعج بالناس وبالنشاط، وجعلت حياة من تبقى هناك صعبة.
احدى هذه العائلات تقودها السيدة هناء أبو هيكل من حي تل الرميدة. إنها امرأة شجاعة واستثنائية يذكرني صمودها بجدة اسكتلندية نموذجية. لكن تجربة السنين الماضية وضعت هذه الصفات تحت الاختبار. فوجود المستوطنين العنيفين وضع منزلها تحت الحصار؛ فهي لا تستطيع أن تجلس على شرفة منزلها خوفاً من رمي الحجارة عليها، وأصبحت أسيرة منزلها لا تستطيع ان تخرج منه الا تحت جناح الظلام. تحدثنا عن مخاوفها على سلامة عائلتها وشعورها بأن المستوطنين الإسرائيليين يتمتعون بالحصانة من القانون.
زُرت العديد من التجمعات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية منذ وصولي كالقنصل العام إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة قبل خمسة أشهر، ورأيتُ بنفسي آثار حالات هجمات المستوطنين المتزايدة. وبالرغم من أن هناك إدانة واسعة مرحب بها من قبل الساسة الإسرائيليين، إلا أنه لا يوجد هناك محاسبة لهؤلاء الذين يرتكبون أعمال العنف. وهذا ينشر الخوف لدى الناس ويدمر سبل كسب عيشهم ويشردهم من أراضيهم، مما يبعدنا عن فرصة إيجاد السلام وانهاء الصراع.
وكما قال وزير خارجية بريطانيا وليام هيغ عندما اطلق تقرير حقوق الإنسان: لدى المملكة المتحدة “التزام أخلاقي لمنع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان”. ونحن ننفذ التزامنا من خلال دعمنا للمنظمات الغير الحكومية التي توفّر الدعم القانوني لضحايا عنف المستوطنين وتقديم المساعدة إلى المجتمعات التي تتعرض لهجمات المستوطنين في منطقة جنوب جبال الخليل. كما أننا نحث الحكومة الإسرائيلية على أن تفعل كل ما في وسعها لوضع المسؤولين عن هذه الجرائم البغيضة أمام العدالة.
يكمن هذا الالتزام المستمر في صميم رؤيتنا للدولة الفلسطينية المستقبلية، دولة مزدهرة ومستقلة، تعيش في سلام جنباً إلى جنب مع إسرائيل. ولهذا سنواصل العمل من أجل العدالة واحترام حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة.
بالنسبة لي، ستكتمل هذه الرؤية عندما أعود إلى الخليل لألتقي بالسيدة أبو هيكل والالاف مثلها، يعيشون جميعاً حياة خالية من الخوف.